روزا وكاترينا من المجموعة الثانية في لبنان تتحدثان عن تجربتهما في التنقل

أول ما يشدّ انتباهك عندما تصل بيروت وجود أعداد كبيرة من الجنود، وانتشار نقاط التفتيش في جميع أنحاء المدينة والدولة أيضًا. لقد تأثرت بشكل كبير بمشهد انتشار الجنود والأسلاك الشائكة والحواجز وبدأت أتخيل لبنان كحصنٍ كبير. 

غالبًا ما تلاحظ هذه المشاهد حتى في أبسط أنشطة الحياة اليومية – أثناء ركوب الحافلة أو التنقل بالسيارة أو سيارة أجرة – نقاط التفتيش مع عدد كبير من الجنود والأعلام الصغيرة مع عبارة “الجيش اللبناني”.

على الرغم من أن بيروت تبدو مدينة كبيرة وحديثة تحوي جميع وسائل الراحة، إلا أن انتشار نقاط التفتيش والضوابط تقريبًا في كل حيّ ومنطقة جعل المدينة تظهر كـ”صندوق عسكري” عملاق. عادةً ما تكون إجراءات الرقابة سريعةً جداً (يتحققون من جوازات السفر، وقد يسألونك عن سبب تواجدك في لبنان)، إلا أن الجوّ العام بالنسبة لشخص أجنبي يكون مجهد وقسري.

على الرغم من أن المشاهد الأجنبي يرى فرط الضوابط العسكرية شيء غير طبيعي وغريب حين يشاهد الجيش مدجج بالسلاح ويتنقل في شوارع بيروت، إلا أن هناك مظهر غير عادي من الحياة الطبيعية: يبدو المواطنون اللبنانيون في حالة متوسطة بين القبول السلبي للوضع الراهن (“هذا هو الوضع، ولا يمكن أن يتغير”) وبين الامتنان نوعًا ما لوجود الجيش في حالة عدم الاستقرار في السلطات الحاكمة والخوف من الأحداث في البلدان المجاورة، حيث يضمن الجيش – أو على الأقل شكليًا – الحماية والأمان.

***

لا يقتصر استخدام الحواجز العسكرية على السيطرة على المناطق الحدودية، ولكنها تستخدم بشكل كبير داخل بيروت، مضاعفةً ومضخمةً بذلك الحدود الداخلية، حيث تعمل كجهاز رقابة على الهجرة، وخاصة مع تواجد الكثير من اللاجئين السوريين والفلسطينيين، الذين غالبًا ما قد يكونوا قد عاشوا في المدينة لسنوات عديدة، ولكنهم لا يزالون في حالة تهميش لعدم منحهم مساواة في الحقوق بعد.

برأيي، إن زيادة السيطرة على الحدود ومضاعفتها داخل وخارج الدول تعكس الاتجاه العام في إدارة الهجرة الدولية. تشكل نقاط التفتيش في بيروت حدودًا حقيقية لعدد كبير من الناس الذين يعيشون في مخيمات اللجوء في لبنان بدون وثائق، كما أنها تحدّ من حركة الكثير من الناس الذين يقيمون الآن في الدولة. إن فرض السيطرة الكبيرة على الحدود وعملية الحماية المستمرة بحجة الأزمة السورية وإشاعة أنها تشكل تهديدًا أمنيًا يشكل أكثر من مجرد أداة للحكومة لامتصاص الاستياء الشعبي بسبب الخوف أو العنصرية تجاه اللاجئين السوريين وحسب، ولكنه يعمل أيضًا كجهاز للتمييز الذي ينتج طبقات مختلفة بناء على الحصول على الحقوق، وجعل من الناس المهاجرين عرضة لممارسات مختلفة من الاستغلال.

1

وانطلاقا من هذا الاعتبار، يبدو لي أن الحدود لا تستخدم كمجرد حواجز، وأن الهدف الرئيس لإدارة الحدود ليس منع أو عرقلة تنقل الناس بشكل كامل، ولكنهما جهازان يخلقان درجات مختلفة من الاندماج في المجتمع، وهذا يعني أن الحصول على الحقوق يكون بشكل متباين وأن هناك تعرض للاستغلال. تصبح الحدود أداة للتباين حيث تقوم بتحديد وتصفية الناس من خلال عملية تشمل مختلف أشكال العنف، التي لا يحسد عليها من يتعرض للإجراءات الإقصائية.

كل هذه الاعتبارات من تأمين وإدارة الحدود يذكرني بأوروبا، حيث تم ربط هذه السياسة الجديدة فيما يتعلق بإدارة الحدود بشكل كبير مع سياسات الهجرة المقيِّدة مؤخرًا. سياسة الحدود التي تستخدمها أوروبا واعتبار الهجرة تهديد للأمن والهوية الوطنية والرعاية الاجتماعية يشبه الى حد كبير ما يجري في لبنان. المزيد والمزيد من السيطرة على الحدود الأوروبية: حيث تعتمد زيادة الدوريات في الوقت الحالي على المعدات التكنولوجية المتطورة، حيث تدخل وسائل جديدة في آلية مراقبة الحدود، ولكن لا يزال الهدف من كل هذه الطرق تجنب الهجرة بدل التعبير عنها وإدارتها، لخلق مساحة استثنائية لعدم الاعتراف بالحقوق والمماطلة بها الى أجل غير مسمى.

2

إن إضفاء الطابع المؤسسي على إدارة الحدود في البحر الأبيض المتوسط يعد أحد الأعراض الواضحة لهذه لعملية فرض الحدود، ولكن يجب أن ندرك أن هذه العملية تواجه دائمًا تحديات يسببها المهاجرين الذين يقومون يوميًا بكسر هذا النظام، مما اضطر سياسات التحكم لأن تتعايش مع ممارسات الهجرة التي تتجاوز هيكليا هذه الأساليب. أود تأكيد أهمية الاعتراف بأن الحدود ليست شيء ثابت بشكل نهائي، ولكنها مكان للضغط بين الإنكار والوصول والتنقل وشل الحركة.

إن مراعاة قوة الحدود، ليس فقط من ناحية سلبية، يوفر إمكانية وضع سياسة التحكم الجديدة ضمن منطق أوسع من الحكم والإدارة، بالإضافة الى أننا لن نرى المهاجرين كمحتاجين بل سننظر اليهم كذوات سياسية ناشئة جديدة، حيث هناك إمكانية لتجاوز الخطاب الأمني والإنساني المهترئ، مما يجعل هذه الظاهرة التي تزداد أهمية على الصعيد العالمي أكثر وضوحًا، وهذا يسهم في تنظيم وهيكلة مختلف مجالات حياتنا.

3

 

 

اترك تعليقاً

التخطي إلى شريط الأدوات