لبنان: رحلة لم تكن في الحسبان

في نهاية مارس آذار، جاءني دانيل يخبرني بمشروع أوروبي جديد أُطلق عليه (كابوريرا). وكنا حينها نتناول الغداء في مطعم “حبيب دونر كباب” (يا لها من مصادفة عجيبة)، وأثناء كلامه شعرت بالأدرينالين في عروقي يتسارع ويهم بالانفجار. وغمرتني مشاعر متناقضة بين الإيجاب والسلب: هل أبقى أم أسافر؟! وأخيرا قررنا الاجتماع في أنجة لطلب جميع التفاصيل والأوراق التي تحتاج إلى توقيع.

شعرنا بشيء من التخدر بعد ذلك اللقاء، فقد كانت المعلومات كثيرة جدا إلى جانب شعور بالجنون، إذ لم يسبق لأي منا أن درس أو عمل في الخارج، بل لم نغادر حدود مدينتنا الصغيرة، فكانت هذه الفكرة حقا خروجا من منطقة الراحة لدينا. وكان هذا أحد الدواعي الكبيرة لرغبتنا في القيام بالرحلة، لأننا شعرنا بركود ونحتاج ما يحيي أرواحنا، ولعلها فرصة ذهبية ترتقي بمستوانا النفسي والمهني، وكان الأمل يحدونا بأن تفتح لنا أبواب جديدة للمستقبل.

فقررنا الذهاب…

ذعر والدانا من الفكرة، لأن البعض أخبرهم بأن هذا خطر علينا، وأن ذلك البلد ليس آمنا وأن علينا البقاء، وما شابه ذلك.

ولكن المعلومات التي تنقلها وسائل الإعلام عادة ما تُشعرك بالقلق والخوف، والأهم أنها تقدّم لك معلومات غير صحيحة. فالصورة الماثلة في أذهاننا عن الشرق الأوسط – كما يسوّقها الإعلام –  عبارة عن رجال بلحى كبيرة، وحجاب على رؤوس النساء وبراقع على رؤوسهن، وحرب ودمار في كل مكان. وأنا شخصيا لم أجرؤ أن أحضر ملابس قصيرة لأني اعتقدت بأن ذلك يعني عدم الاحترام لأهل ذلك البلد.

وكانت المفاجأة! عندما وصلنا أحسسنا بأننا في أمريكا أو شيء من هذا القبيل، فالنساء يرتدين ما يشتهين من الكعب العالي والثياب القصيرة، وترى عليهن الأظافر الطويلة والشعر الطويل والمساحيق دائما على وجوههن. أما الرجال – بل النساء أيضا – فيتفاخرون بسياراتهم (الموستانج واللامبرجيني والفيراري والبورش والكامارو وغيرها).  وكلما تجولت رأيت من حولك مطعما أو مقهى أمريكيا، من أمثال ستاربكس ودنكين دونتس وماكدونالدز وكنتاكي ودومينوز.

وشعرنا بأن الكثيرين من اللبنانيين (نحن نعيش في بيروت ولذلك نستعمل هذا المثال) يفضلون التشبه بالغرب على أن يكونوا جزءا منه، أي أنهم يرغبون بأن يكونوا أقرب إليه!

لقد جئنا إلى هنا نتوقع أن نرى ونعيش تقاليد الشرق الأوسط، ولكن ذلك كان صعب المنال في بيروت، إلا إذا خرجنا من إطار المراكز المدنية الكبيرة، فإذا قابلنا من يدلنا على من نبحث عنهم فسوف نتمكن من رؤية لبنان وتقاليدها على حقيقتها.

والأهم أن لبنان بلد في غاية الجمال وفيه الكثير مما يستحق المشاهدة! وكانت هذه من أروع المفاجآت حقا في الرحلة. فقد جئنا دون أن نبحث في ميزات هذا البلد، بل جئنا لنستكشفه. وانبهرنا لمّا رأينا ما فيه من الخضرة والجبال والأنهار والأماكن الجميلة، لأن فكرتنا السابقة عن الشرق الأوسط – كما ذكرت – كانت في العموم مرتبطة بالصحراء والجِمال في كل مكان.

لقد كانت تجربتنا رائعة في اللقاء بأناس جدد (سواء من أهل البلاد أو من رفقائنا في السكن). فالناس لطيفون وكرماء جدا ومحبّين دوما للمساعدة، حتى عندما لا تتحدث لغتهم، فكل مرة يجدون طرقا للتفاهم. ووجدنا ما كنا نبحث عنه واستطعنا التواصل مع الجميع، وفي كل مكان وعن كل شيء. ووقعت معنا أحداث طريفة لم يكن أي من أطرافها يتحدث لغة الآخر، ولكننا تمكنّا من فهم بعضنا إلى حد كبير باستخدام لغة الجسد. وهذا يخبرنا بالكثير عن شخصية أهل هذا البلد. وهذه حكاية أخرى…

اترك تعليقاً

التخطي إلى شريط الأدوات