مستشرقٌ في باليرمو: تجربة محمد

caburera-mohammad-palermo-res (1)يمكن دائمًا خداعك لكي تصبح مستشرقًا، على الرغم من معرفتك بكيفية تحول شخصٌ يدعى أحمد الشقيري لمستشرق عندما يقارن دولًا مختلفة، من خلال أخذ الملاحظات بغير سياقاتها واستخدامها، عن سابق بحثٍ أو بدونه، كموضوع للمقارنة حول السياق التي ترد فيه.

بمجرد وصولي إلى إيطاليا بدأت اقنع نفسي بأن لدي ما يكفي من المعرفة والمهارات البحثية لأتعرف على هذه الثقافة، ولكن ما لبثت أن ترجلت من الطائرة حتى بدأت أقع في الأخطاء ذاتها. شكلت صورًا نمطية، وأعمتني أحكامي المسبقة، وجمّلت ورأيت ما أحببت مثاليًا، وابتعدت عن أشياء كنت سأحبها بفعل الأحكام المسبقة.

حلّ هذه المشكلة بسيط: اعترف بالمشكلة، كن متعاطفًا، اسأل واستفسر، استمع بعناية، ابحث، تعلم، من ثم أعد الكرّة. سيوقعك الخوف من الأخطاء بالمزيد من الأخطاء، وستخلق المعلومات الخاطئة أو الملاحظات الزائفة صورًا نمطية. الأمر سهلٌ جدًا بمجرد أنك بدأت تمارسه.

عندما جئت إلى باليرمو لأول مرة، وجدت نفسي أحاول أن أكون أبو العرّيف، اغتررت بنفسي وبمدى معرفتي بتلك الثقافة الجديدة. ولكنني أدركت لاحقّا أنني خدعت نفسي وأصبحت أحمد شقيري رحلة إيطاليا. كان السبيل إلى الخروج من ذلك هو تقبل السائح الصغير داخلي، وأن معرفتي وخبرتي زهيدة، وأن عليّ أن استمع إلى الآخرين، وأن أمرّ بنفس الرحلة لكن من منظور سائح. من أحاول أن أخدع؟ لم يكن لدي سوى ثلاثة أشهر إضافةً إلى موارد محدودة لأتمكن من تعّلم كل شيء. لذلك كان عليّ أن أستفيد بقدر المستطاع.

caburera-mohammad-palermo-res (2) جربت العديد من أنواع الطعام، فقدت الماستركارد خاصتي ومررت بإجراءات استصدار واحدة جديدة، سهرت مع أصدقائي حتى شروق الشمس، ذهبت إلى سوق الخردة، و من الشمس على الشاطئ وكدت أكسر ساقي على الصخور، أكلني البعوض في بيدا، ضعت مرتين في المدينة ولكن لفترة قصيرة لأن لدي GPS الذي أفقد الجميع تجربة الضياع، سافرت ونمت اثنا عشر ساعة في المطار، مرضت وذهبت إلى الطبيب، فاتتني أشياء كثيرة كان يمكنني القيام بها أو مشاهدتها، شعرت بالحنين حتى ذرفت عيني، افتقدت بعض الأشخاص، ودعت الكثيرين وبكيت مرة أخرى، وقعت في روتين الحياة والعمل، مللت، قمت بالعديد من الأمور الأخرى التي يقوم بها السائحون، واستحققت لقب سائح بجدارة.

 

caburera-mohammad-palermo-res (3) لكنني في كل مرة أستجرع فيها تجربتي بين هذه الأحداث الصغيرة أرى مئات المحادثات التي علمتني عن ثقافات مختلفة وتجارب كثيرة علمتني عن نفسي، ولم يزل الكثير ينتظرني. مع أنني غادرت باليرمو، إلا أني سأبقى سائحًا سخيفًا لإن مصالحتي لهذه الفكرة جعلت من زيارتي لباليرمو\أفضل تجربة لي وأكثرها متعة على الإطلاق.

 

اترك تعليقاً

التخطي إلى شريط الأدوات